أهمية العلم بالأسماء الحسنى


قال ابن القيم في كتابه "جلاء الأفهام": إذا أراد الله أن يحب عبداً علمه أسرار الأسماء الحسنى ففهمها واستوعبها، والأعمال درجات، والإيمان درجات، ومتى كان الإيمان مع العمل بالأسماء الحسنى، والدعاء بها كان البنيان قوياً؛ لأن الله تعالى جعل فينا جانبا عظيما من هذه الأسماء، فإذا علمناها علمنا قدرته فينا.

ويقول بن القيم: لا تكاد تخلو آية من آياته من ذكر لأسماء الله الحسنى، وصفاته العلا مما يدل دلالة واضحة على أهمية العلم بها والضرورة الماسة لمعرفتها الإيمان بالربوبية، والإيمان بالألوهية، والإيمان بالأسماء والصفات لا يكون إلا من باب فهم الأسماء الحسنى أي أن الإيمان ينصب كله على معرفتك لله من خلال أوصافه، بمعنى أن الإيمان يزداد ويقوى كلما علمت تعدد قدرة الله عز وجل على خلقه هذا علم كما أن التوحيد علم{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد : 19]  كذلك الأسماء الحسنى{فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة : 209] ، وقال{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة : 231] سورة البقرة{ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة : 233] كل ذلك في سورة البقرة فقط فما بالكم لو أحصيناها في القرآن كله {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة : 267]وفي المائدة {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة : 98]، وفي الأنفال{فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الأنفال : 40] ، وفي سورة البقرة{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة : 194] { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيم} [البقرة : 235] ، وفي سورة محمد {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ  }[محمد: 19] يقول شيخ الإسلام الإمام أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى:، والقرآن فيه من ذكر أسماء الله تعالى، وصفاته أكثر مما ذكر الملك في أمور الدنيا والآخرة فالآيات المتضمنة لذكر أسماء الله، وصفاته أعظم قدرا من آيات الحديث عن الآخرة، انظر أعظم آية في القرآن الكريم آية الكرسي المتضمنة للأسماء الحسنى، وحديث أبي بن كعب الوارد في الصحيح عند الإمام مسلم وغيره أن سيدنا صلى الله عليه وسلم قال: ((أتدري أي آية في كتاب الله أعظم، قال: الله لا إله إلا هو الحي القيوم). صحيح مسلم برقم :810.، بمعنى أن الصحابة كانوا فطنين لهذا العلم الشريف، وكانوا يعلمون هذه الأسرار، وثبت في حديث أبي سعيد بن المعلى في الصحيح قال له سيدنا صلى الله عليه وسلم: ((إنه لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور مثلها وهي السبع المثان والقرآن العظيم الذي أوتيته)) .

يقول شيخ الإسلام: وفيها من ذكر أسماء الله، وصفاته أعظم مما ورد في الحديث عن اليوم الآخر، وثبت في الصحيح من غير وجه يعني من وجوه كثيرة أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، وثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم بشر الذي يقرؤها، ويقول : إني لأحبها؛ لأنها صفة الرحمن. يعني الأسماء الحسنى، وأفاد سيدنا أن الله يحبه، وبين أن الله يحب من يحب ذكر صفاته وهذا باب واسع، ومما تقدم نفهم أن المعبود بحق هو الله، ولا معبود سواه، وهذه المعاني للأسماء الحسنى تؤكد أن العلم بها، وأن العلم بصفات الله من أشرف العلوم الشرعية، وأزكى المقاصد؛ لأنها تعلمك أسماء الله، وصفاته وكيفية الثناء عليه بأسمائه وصفاته، وإن الأنبياء أرسلهم الله لتعريف الناس بالله وأسمائه، وصفاته توحيد الألوهية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وفي هذا يقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: إن دعوة الرسل تدور حول أولا: تعريف الناس بالرب، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله.

ثانياً: معرفة الطريقة الموصلة إليه بذكره وشكره وذكره.

ثالثاً: تعريفهم الوصول إلى دار كرامته، وإلى دار نعمته من باب الأسماء والصفات. هذا ما ذكره ابن القيم في الجزء الرابع من كتابه (الصواعق المرسلة)، ثم قال في كتابه (جلاء الأفهام): وإن الله تعالى أرسل نبيه صلى الله عليه وسلم فعرف الناس ربهم، ومعبودهم غاية ما يمكن أن تناله قواهم من المعرفة، وأبدى وأعاد واختصر وأطنب في ذكر أسمائه وصفاته وأفعاله حتى تجلت معرفته في قلوب عباده المؤمنين، وانجابت سحائب الشك والريب عنها كما ينجاب السحاب عن القمر ليلة إبداره، ولم يدع لأمته حاجة في تعريفهم بالله، فقد عرفهم كل شيء صلى الله عليه وسلم حتى قال الملك {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت : 51] أي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من خصائص رسالته أن يعرفنا بأسماء الله وصفاته. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث عند الإمام أحمد وابن ماجة : ((قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك)) "صحيح :ابن ماجه برقم:41".، وقال صلى الله عليه وسلم والحديث عند الإمام النسائى: ((ما بعث الله من نبي إلا كان حق عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم)) "صحيح النسائى:4202".، وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه يقول أبو ذر: ((تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكر منه علما)) قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم وإن السبيل الوحيد لعز المسلم ورفعته وصلاحه في الدنيا والآخرة أن يعلم مقاصد الله من كلام الله ومن مقاصد الله في كلام الله أن تعلم قدرة الله فيما بين الله والمنتهى في هذا هو التعرف إلى الأسماء والصفات)).

يقول الإمام بن القيم أيضا: ومتى كان العبد عارفاً بربه قائماً بعبوديته ممتثلاً أمره فإن الله تعالى يجمع له العبودية في قلبه، ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أسمائه، وأوصافه فكلما كان العبد بها أعرف كان لله أقرب، وإليه أقرب، وإليه أطلب، وكلما كان العبد لها أنكر كان بالله أجهل، ومنه أبعد، والله ينزل العبد من نفسه؛ حيث ينزله العبد من نفسه فمن أيقن أن الله عادل أن الله قاضٍ، أن الله حاكم استقر في قلبه الإنصاف، ومن كان خلاف هذا استقر في قلبه أن مضطهد وأنه مظلوم، وأن الله تعالى حاشاه قد ظلمه فأساء الفهم عن الله، وهذا من ضعف اليقين بالله؛ ولذا يقول الحافظ ابن كثير في تفسير { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ  }[فاطر:27] أي إنما يخشاه حق الخشية العلماء العارفون به؛ لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى كانت المعرفة به أتم، والعلم به أكمل، ومن هنا تأتي الخشية، وتعظيم الرجاء في قلب المسلم، وعلى هذا فإن معرفة الله، ومعرفة أسمائه هي أفضل العلوم وأعلاها على الإطلاق، وهي الغاية التي شمر إليها المشمرون، وتنافس فيها المتنافسون، وجرى إليها المتسابقون، وإلى نحوها تمتد الأعناق، والقلوب بالأشواق، وعلى نحوها فإن حياة القلب، وإن حياة الروح لا تكون إلا بمعرفتك لله، ولن تعرف الله حق المعرفة إلا إذا ذقت أفضل ما في الحياة، وهو التعرف على الله من باب أسماء الله الحسنى.

 نقل فؤادك حيث شئت من الهوى   ما الحب إلا للحبيب الأول

جل جلالك

كم منزل في الأرض يألفه الفتى   وحنينه أبدا لأول منزل

وأعلى هذه المنازل هو تعرفك إلى الله من باب أن الأسماء، والصفات لها شأن عجيب.

 يقول ابن القيم رحمه الله: وكان مهموماً مشغولاً بالأسماء الحسنى، وقد قرأت كل كتبه فما وجدت كتابا له إلا وجدته يتناول الأسماء الحسنى بسخاء عجيب، وهذا كتاب (مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة) الواضح أن عنوان الكتاب ليس فيه إشارة إلى الأسماء الحسنى، ورغم ذلك ما من باب من جزئي الكتاب إلا واستعرض تأثير الأسماء الحسنى في كل شيء يتناوله، وذلك لإثبات حقيقة الإيمان {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ  }[فاطر: 14]، وعندما يتكلم عن اليقين وحقيقته فإنه يقول: لا لذة ولا يقين إلا بالأسماء الحسنى .

ومن العلماء المعاصرين الذين تناولوا هذا الموضوع بإسهاب وإطناب في كليات رسائل النور هو الإمام بديع الزمان سعيد النورسي وهو أستاذي الكبير وعنده عشرة أجزاء كبيرة: كليات رسائل النور. في كل كلية يعتبر أن الأسماء الحسنى هي أوثق عرى الإيمان.

وأما ابن القيم في كتابه (طريق الهجرتين) يقول: فالسير إلى الله من طريق الأسماء الحسنى والصفات شأنه عجيب، وفتحه عجب صاحبه قد سيقت له السعادة من غير تعب، ولا مكدود ولا مشتت عن وطنه، ولا مشرد عن وطنه فالله يعطيك المعاني إذا أردت أن تستحضرها من باب المعرفة بها، واستحضار باب الأسماء الحسنى، واستحضارها في القلوب حتى تتأثر القلوب باستحضارها فتزداد محبة الله، والشوق إليه فإذا علم الإنسان أن الله بصير خبير راقبه في الحركات والسكنات، وحمى خواطره من الفاسد من الخواطر، وهذا لا يكون إلا ببركة الأسماء الحسنى التي تجعل القلب متعلقا بالله مشتاقا منيبا إليه فالمعرفة باب كل خير فأصل صفات الله تجدد عندك الخوف من الله، انظر إن الله يعيد الصفة الواحدة له ثلاث مرات في صدر الآية، ووسطها وآخرها فإذا غاب المعنى عليك في صدر الآية استحضرته في وسطها، وإذا لم تفعل جاءتك البهجة والروعة في آخرها انظر { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }[المجادلة: 1] فذكر الصفة ثلاث مرات هي نفسها صفة السمع، وهذه صواعق مرسلة لمن ينكرون عظمة هذه الأسماء، وجلالها فهي تقربك إلى الله وطاعته، وهي باب عظيم من أبواب السعادة، السيدة عائشة رضي الله عنها كانت جالسة في طرف الغرفة التي كانت جالسة فيها السيدة خولة رضي الله عنها، ولم تستمع شكواها إلى سيدنا صلى الله عليه وسلم، واستمع إليها الملك من فوق سبع سماوات وقال الملك في التو واللحظة وهي لا زالت تمسح دموعها {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ  }[المجادلة: 1]، وذلك أوثق عرى الإيمان فالأسماء الحسنى باب عظيم يؤكد باب المعرفة بالله.