من فوائد الابتلاءات والمحن فى حياة المسلم


للابتلاء والمحن التي يواجهها المسلم في حياته حِكَم عظيمة، منها:

1- تحقيق العبودية لله رب العالمين:

إن كثيرًا من الناس عبدٌ لهواه وليس عبدًا لله، يعلن أنه عبد لله، ولكن إذا ابتلي نكص على عقبيه، خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين، كما قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الحج: 11].

 

2- إعداد للمؤمنين للتمكين في الأرض:

قيل للإمام الشافعي رحمه الله: أَيّهما أَفضل: الصَّبر أو المِحنة أو التَّمكين؟ فقال: التَّمكين درجة الأنبياء، ولا يكون التَّمكين إلا بعد المحنة، فإذا امتحن صبر، وإذا صبر مكن. فإعداد المؤمنين للتمكين وسيادة الأرض وإعمارها ليس بالعمل الهين، بل هو عمل شاق يحتاج إلى الكثير من التضحية والبذل، ولا يكون هذا إلا من خلال الصعوبات التي تواجه المرء، فتبني منه شخصًا قويًّا في نفسه وجسمه تؤهله لهذه المهمة الشاقة.

3- كفارة للذنوب:

روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه، وولده، وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة" "أخرجه الترمذي برقم 2399، وقال: هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح".

وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"" أخرجه الترمذي: 2396، وقال الألباني: حسن صحيح.

4- حصول الأجر ورِفعة الدرجات:

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً"

متفق عليه: أخرجه البخاري: 5648، ومسلم: 2572.

5- فرصة للتفكير في عيوب النفس وأخطاء المرحلة الماضية:

لأن الإنسان إذا ابتُلِي تَبَرَّأَ مِن حوله وقوته، ولجأ إلى حول وقوة الله العلي القدير، وعندما يعترف الإنسان بضعفه فإنه يتذكر أسباب هذا الضعف، ويقف حقيقة على عيوب نفسه، وقد يعاهد الله ويعاهد نفسه أنه إن خرج من هذه النازلة بسلام فإنه سيُقَوِّمُ نفسه، ويتلاشى أخطاءه الماضية، وهذا من الحِكَم والفوائد العظيمة للابتلاء كما لا يخفى على أحد.

6- البلاء درسٌ من دروس التوحيد والإيمان والتوكل:

فالابتلاءات والمحن تطلعك عمليًّا على حقيقة نفسك؛ لتعلم أنك عبد ضعيف، لا حول لك ولا قوة إلا بربك، فتتوكل عليه حق التوكل، وتلجأ إليه حق اللجوء، حينها يسقط الجاه والتيه والخيلاء، والعجب والغرور والغفلة، وتفهم أنك مسكين يلوذ بمولاه، وضعيف يلجأ إلى القوي العزيز سبحانه. قال ابن القيم: فلولا أنه سبحانه يداوي عباده بأدوية المحن والابتلاء لطغوا وبغوا وعتوا، والله سبحانه إذا أراد بعبد خيرًا سقاه دواء من الابتلاء والامتحان على قدر حاله، يستفرغ به من الأدواء المهلكة، حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه أهَّله لأشرف مراتب الدنيا، وهي عبوديته، وأرفع ثواب الآخرة وهو رؤيته وقربه.

7- الابتلاء يُخرِجُ العُجبَ مِن النفوس، ويجعلها أقرب إلى الله:

قال ابن حجر: قَوْله تعالى: (وَيوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) [التوبة: 25]. رَوَى يُونُس بْن بُكَيْر فِي "زِيَادَات الْمَغَازِي" عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس قَالَ: قَالَ رَجُل يَوْم حُنَيْنٍ: لَنْ نُغْلَب الْيَوْم مِنْ قِلَّة، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَكَانَتْ الْهَزِيمَة. وقال ابن القيم: واقتضت حكمته سبحانه أن أذاق المسلمين أولاً مرارة الهزيمة مع كثرة عَدَدِهم وعُدَدِهم وقوة شوكتهم؛ ليضع رؤوسًا رُفِعت بالفتح ولم تدخل بلده وحرمه كما دخله رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعًا رأسه منحنيًا على فرسه حتى إن ذقنه تكاد تمس سرجه؛ تواضعًا لربه، وخضوعًا لعظمته، واستكانة لعزته.

8- إظهار حقائق الناس ومعادنهم:

قال الفضيل بن عياض: الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم؛ فصار المؤمن إلى إيمانه، وصار المنافق إلى نفاقه. وهناك ناس لا يُعرَف فضلهم إلا في المحن، ولا يمكن أن تستخرج منه الفوائد والدرر إلا من خلال صعوبات تحل به، ساعتها يبدأ في تنشيط نفسه، وإلزامها بعمل الخير والصواب؛ لتنجو من هذه المهلكة التي يرى نفسه فيها، ثم يجعل الله له منها فرجًا ومخرجًا.

9- الابتلاء يربِّي الرجال ويعدُّهُم:

لقد اختار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم العيش الشديد الذي تتخلله الشدائد منذ صغره؛ ليعده للمهمة العظمى التي تنتظره، والتي لا يمكن أن يصبر عليها إلا أشداء الرجال، الذين عركتهم الشدائد فصمدوا لها، وابتلوا بالمصائب فصبروا عليها؛ فنشأ النبي صلى الله عليه وسلم يتيمًا، ثم لم يلبث إلا يسيرًا حتى ماتت أمه أيضًا، ثم كان بعد كل هذا سيد ولد آدم، وخاتم الأنبياء والرسل، ورحمة الله للعالمين.

10- الابتلاء يذكِّرُك بذنوبك لتتوب منها:

قال الله عز وجل: (وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ) [النساء: 79]. وقال سبحانه: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى: 30]. فالبلاء فرصة للتوبة قبل أن يحل العذاب الأكبر يوم القيامة؛ فإنَّ الله تعالى يقول: (وَلَنُذِيقَنهُم مِّنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [السجدة: 21]. والعذاب الأدنى هو نكد الدنيا ونغصها، وما يصيب الإنسان من سوء وشر. وإذا استمرت الحياة هانئة، فسوف يصل الإنسان إلى مرحلة الغرور والكبر ويظن نفسه مستغنيًا عن الله، فمن رحمته سبحانه أن يبتلي الإنسان حتى يعود إليه.

11- الابتلاء يكشف لك حقيقة الدنيا وزيفها وأنها متاع الغرور:

فالبعض يعيش في هذه الدنيا وكأنها الغاية والهدف الأسمى، ولو تفكروا في حقيقة ذلك لعلِمُوا أنهم واهمون، لكنهم لا يتفكرون إلا إذا نزلت بهم الابتلاءات والمحن، ساعتها يعلمون أن الحياة الدينا ليست المقصد والغاية من خلقهم، ويتيقنوا أن الحياة الصحيحة الكاملة وراء هذه الدنيا، في حياة لا مرض فيها ولا تعب؛ (وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت: 64].

12- الشوق إلى الجنة:

فلن تشتاق إلى الجنة إلا إذا ذُقْتَ مرارة الدنيا، فكيف تشتاق للجنة وأنت هانئ في الدنيا؟ إن الدينا فيها من المتع والجمال ما يكفي البعض لأن يركن إليها، لكن إن نزلت به المحن والابتلاءات فإنها تكون بمثابة المنعش له، والمنبه الذي يقول له: ليس لك ها هنا قرار، إنما قرارك هناك في الجنة، فاستعد لها.

هذه بعض الحكم والفوائد المترتبة على حصول الابتلاء وحكمة الله تعالى أعظم وأجل؛ ولذلك ننصح المسلم الصادق في ادعائه بإيمانه بالله أن يصبر ويحتسب، وأن يعلم أن هذا قدر الله، وأن مَن رضي فله الرضا، ومَن سخط فعليه السخط.